بعد مرور عقد من الزمن على الإطاحة بالدكتاتور معمÙ'ر القذÙ'افي، من المفترض أن تُجري ليبيا انتخابات في شهر ديسمبر القادم لتأليف حكومة موحÙ'دة. ومع اقتراب هذا الموعد، تُبدي الدول المجاورة لليبيا في منطقة المغرب، أي تونس والجزائر والمغرب، اهتماماً متزايداً في عملية السلام الجارية في البلاد.

فقد استأنف صانعو القرارات الجزائريون الرحلات الجوÙ'ية إلى ليبيا وافتتحوا خطÙ'اً بحرياً بين العاصمة الجزائرية وطرابلس وعيÙ'نوا مؤخÙ'راً رمطان لعمامرة، الذي كان منخرطاً جدÙ'اً في الملفÙ' الليبي، وزيراً للخارجية. ولا تزال تونس مهتمÙ'Ø© كثيراً بضبط المخاطر الأمنية وإعادة إنشاء الروابط الاقتصادية، وقد وقÙ'عت اتÙ'فاقيات مع ليبيا في خلال الصيف من أجل تعزيز التبادل في التجارة والاستثمار وحركة المسافرين. وينظÙ'Ù… المغرب، وهو البلد الذي أُبرمت فيه اتفاقية الصخيرات في العام 2015 (التي اعترفت بحكومة الوفاق الوطني على أنÙ'ها السلطة الشرعية الوحيدة) لقاءات بين الجهات الفاعلة الليبية المتنافسة ومحادثات ثنائية مع مسؤولين حيال تعاون محتمل في مجالات الأمن المحسÙ'Ù† والتجارة والطاقة المتجدÙ'دة.

وعلى الرغم من غياب التنسيق بين هذه الدول حول الملفÙ' الليبي، وهو أمر إشكالي، تتÙ'فق كلÙ'ها علناً على أنÙ' الانتخابات هي السبيل الوحيد للسير قدماً في تلك البلاد التي ترزح تحت نير الصراع. علاوة على ذلك، دعمت كلÙ'ها وباستمرار الحوار بين الفصائل الليبية الذي يعزÙ'ز الأصوات الليبية. بيد أنÙ' اهتمامها المتزايد في الأشهر القليلة يطرح التساؤلات. فلماذا اهتمامها بليبيا في ازدياد، وما المنفعة التي تكسبها من الاستقرار في ليبيا؟

الأمن

السبب الأساسي لاهتمام منطقة المغرب باستقرار ليبيا هو الخطر الأمني الذي تشكÙ'له الفوضى المستمرÙ'Ø©. فمع وصول عدم الاستقرار السياسي إلى ذروته في ليبيا بعد العام 2011ØŒ أفضى ذلك إلى ازدياد في الإرهاب والجريمة المنظÙ'مة وانتشار الأسلحة وتجارة المخدÙ'رات. وهذا أمر إشكالي للغاية للجزائر وتونس، اللتين تتشاركان حدوداً برÙ'ية نافذة مع ليبيا. وقد زادت الحكومة التونسية بشكل كبير من إنفاقها على الأمن منذ انهيار القطاع الأمني الليبي، فيما زاد النظام الجزائري من عدد الجنود المنتشرين على حدود البلدَين المشتركة. وحتÙ'Ù‰ المغرب، الذي هو ليس بدولة متاخمة، تأثÙ'ر بعدم الاستقرار في ليبيا، ولا سيÙ'ما في ما يخصÙ' التهديد المتأتÙ'ÙŠ عن الإرهاب. فمع انضمام محاربين مغربيين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، التي خططÙ'ت هذه المجموعة لإطلاق هجمات على أوروبا انطلاقاً منها، شكÙ'لت عودتهم المتوقÙ'َعة مخاطر على أمن المملكة.

علاوة على ذلك، وبسبب الفراغ في السلطة في طرابلس، شكÙ'Ù„ احتمال شنÙ' المجموعات الإرهابية والمجموعات المتمرÙ'دة هجماتها انطلاقاً من ليبيا تهديداً حقيقياً لمنطقة شمال أفريقيا برمÙ'تها، مثلما تبيÙ'Ù† عندما شنÙ'ت مجموعة متمرÙ'دة عسكرية سياسية تشادية معركة أدÙ'ت إلى مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو. وأتاح انهيار القطاع الأمني في ليبيا أيضاً تهريبَ الأسلحة وتجارة المخدÙ'رات وغيرها من النشاطات الإجرامية بشكل مكثÙ'ف. ففيما لم تشهد ليبيا قبل العام 2011 تجارة مخدÙ'رات سوى مادÙ'Ø© القنÙ'ب، باتت اليوم معبراً راسخاً للكوكايين والهيرويين والأمفيتامين.

ويمكن أن يفسÙ'ر ذلك السبب الذي دفع ببعض دول منطقة المغرب إلى التلميح بإمكانية قيام شراكة عسكرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبي. فقد قال رئيس الدولة الجزائرية، وهي دولة انعزالية تاريخياً، إنÙ'Ù‡ جاهز “لتطبيق خطوط حمر” ضدÙ' المشير خليفة حفتر. بالإضافة إلى ذلك، سمح الإصلاح الذي طال دستور البلاد في العام 2020 بنشر الجيش الجزائري عبر البحار، وهذا تغيير عن السياسة العسكرية غير التدخÙ'لية التي دامت لعقود. ودخل المغرب وليبيا في غضون ذلك في محادثات متقدÙ'مة بشأن تحسين التعاون في مجالي الإرهاب والهجرة وتنويان الدخول في شراكة عسكرية. وعلى الأرجح أنÙ' الإصلاح الدستوري الجزائري المذكور آنفاً مردÙ'Ù‡ أيضاً عدم الاستقرار المتزايد في منطقة الساحل وأنÙ' المحادثات المغربية هي طريقة أخرى ربÙ'ما للمملكة للمحافظة على انخراطها في الملف الليبي ولتعزيز مصالحها. بيد أنÙ' هذه التطوÙ'رات تشير إلى أنÙ' الدولتَين تتÙ'خذان خطوات للحرص على أن تكونا قادرتين على حماية نفسهما من التهديد الأمني الآتي من ليبيا أو على التدخÙ'Ù„ للتخفيف من حدÙ'Ø© وضع كهذا.

الاقتصاد

لعلÙ' تونس هي أكثر الدول المستفيدة في منطقة المغرب من إعادة إرساء روابط اقتصادية متينة مع ليبيا. فمنذ العام 2011ØŒ تأثÙ'ر اقتصادها بهجرة الليبيين إلى تونس وأيضاً بعودة العمÙ'ال التونسيين من ليبيا. وساهم التهديد الأمني أيضاً بالتخفيف من السياحة والاستثمار فضلاً عن ازدياد الإنفاق الأمني. وقد قدÙ'ر البنك الدولي أنÙ'Ù‡ بين العامَين 2011 Ùˆ2015ØŒ أدÙ'ت الأزمة الليبية إلى تراجع نسبته 24 في المئة في النمو التونسي.

من هذا المنطلق، سيعكس الاستقرار في ليبيا تدريجياً هذه التأثيرات وسيفتح الباب أمام التعاون الاقتصادي الثنائي. وسوف تدعم الزيادة في السياحة والتجارة الاقتصاد التونسي الضعيف المتأثÙ'ر بجائحة فيروس كورونا المستجدÙ'. وقد سبق أن سمح فتح الحدود مؤخÙ'راً للتجÙ'ار التونسيين في المناطق الفقيرة بالسفر إلى ليبيا وبيع بضائعهم. وتهدف الجهتان كلتاهما إلى تعزيز التعاون في مجال التجارة والاستثمار والسياحة في المستقبل كما حصل في خلال المنتدى الاقتصادي الليبي التونسي الذي أقيم في ليبيا في مايو.

ويمكن أيضاً أن يستفيد المغرب، الذي لم تربطه صلات اقتصادية قوية مع ليبيا في ظلÙ' حكم القذÙ'افي، من اتÙ'فاقيات جديدة حول التجارة والطاقة. ويعمل صانعو القرارات المغربيون للوصول إلى هذا الهدف. فقد أعلن وزير الخارجية المغربي في يونيو تنظيم منتدى اقتصادي ثنائي ثانٍ. وفي الشهر ذاته، تطرÙ'Ù‚ وزير النفط والغاز الليبي إلى المحادثات الجارية مع المغرب حول التعاون في مجال الطاقة المتجدÙ'دة.

وبدرجة أقلÙ'ØŒ أبدى المسؤولون الجزائريون انفتاحهم مؤخراً أيضاً لتحسين التبادل التجاري مع ليبيا ولإعادة فتح الحدود المشتركة التي يمكنها أن تتحوÙ'Ù„ إلى منطقة اقتصادية مهمÙ'Ø©. وعلى غرار تونس والمغرب، نظÙ'مت الجزائر منتدى اقتصادياً مع ليبيا ووقÙ'عت اتÙ'فاقية بشأن التبادل التجاري والمنتديات الصناعية. وقدÙ'مت الجزائر أيضاً مساعدة اقتصادية للمجتمعات في جنوب غرب ليبيا، من ضمنها مساعدات غذائية في العام 2014 في خلال الصراع القبلي بين قبيلتَي التبو والطوارق.

ويمكن أن يكون التكامل الاقتصادي المعزÙ'َز بين الدول في منطقة المغرب واحدةً من المنافع المحتملة الناتجة عن السلام في ليبيا على المستوى الإقليمي. فقد بلغ التبادل التجاري بين دول منطقة المغرب 2,8 في المئة في العام 2019ØŒ مقارنة بنسبة 10,7 في المئة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومن أسباب ذلك الأزمةُ في ليبيا، فضلاً عن القيود اللوجستية والتوتÙ'رات بين الجزائر والمغرب. بالتالي، يمكن أن يشكÙ'Ù„ السلام في ليبيا فرصة صغيرة لتحسين الأوضاع ويمكن أن يتيح لهذه الدول أن تعزÙ'ز التكامل الاقتصادي والبدء بمبادرات للتعاون الأمني عبر الحدود.

التنافس الإقليمي

علاوة على المصالح المحلÙ'ية لبعض دول منطقة المغرب، تنخرط هذه الدول في عملية السلام الليبية بحدÙ' ذاتها لتعزيز موقعها على الساحتَين الإقليمية والدولية. فمنذ أن استضاف المغرب اللقاءات التي أفضت إلى توقيع اتفاقية الصخيرات، نظÙ'مت المملكة عدÙ'Ø© محادثات حول مسألة المواقف المؤسÙ'ساتية الأساسية، وقد أقيمت آخرها في هذا الصيف. ويولي صانعو القرارات المغربيون أهمÙ'ية كبيرة لدور المملكة في عملية السلام الليبية، التي تعتبرها الرباط طريقة لتعزيز سمعتها الدولية كوسيط موثوق. ويمكن أن يفسÙ'ر هذا الأمر السبب الذي جعل المسؤولين المغربيين يشعرون بالإهانة لإقصائهم عن مؤتمر برلين في العام 2018 (الذي دُعيت إليه الجزائر والتونس في النهاية) وسبب تغيÙ'ب المملكة بعد ذلك عن الملفÙ' الليبي بين العامَين 2018 Ùˆ2020.

وينوي المغرب أيضاً، عبر زيادة انخراطه في ليبيا، أن يبقي نفوذ الجزائر المنافِسة له في المنطقة تحت السيطرة. ومع توصÙ'Ù„ الجزائر مؤخراً إلى اتÙ'فاقيات مع تونس ومصر وتركيا حيال الأزمة في طرابلس، ممÙ'ا يشير إلى اهتمام متزايد في العاصمة الجزائرية حيال الموضوع، قد يخشى المغرب أنÙ' نفوذه في ليبيا والمنطقة قد يتضاءل. وهذا بدوره قد يفاقم توتÙ'راته مع الجزائر ويدفعه إلى الانخراط أكثر فأكثر في ليبيا.

التطلÙ'عات: مرحلة ما بعد السلام؟

ستبقى عملية السلام في ليبيا مسألة معقÙ'دة. فحتÙ'Ù‰ لو أجريت الانتخابات في ديسمبر وجرت عملية التصويت بدون عراقيل وأفضت إلى حكومة موحÙ'دة لا يعارضها حفتر، ستبقى الطريق طويلة. وقد تلزم الدول المجاورة لليبيا سنواتٌ للاستفادة من المنافع الاقتصادية والأمنية.

لكن في هذا السيناريو، سيتضاءل التهديد الأمني الإقليمي في المستقبل القريب، ممÙ'ا سيخفÙ'ف من الضغط من جميع النواحي. فبإمكان الحكومة التونسية عندئذ الحدÙ' من الإنفاق على الأمن، فيما في وسع الجزائر والمغرب إعادة تركيز جهودهما الأمنية على منطقة الساحل. وسوف يزداد في نهاية المطاف الاستثمار الأجنبي على المديين المتوسÙ'Ø· والطويل، شأنه شأن السياحة (تبعاً للوضع الوبائي).

في غضون ذلك، ستستمرÙ' دول منطقة المغرب بالعمل على تحقيق مصالحها الفردية من خلال روابطها مع ليبيا. وسوف تسعى الحكومة في تونس على الأرجح إلى توقيع المزيد من الاتفاقيات المتعلÙ'قة بالتجارة والسياحة مع المحافظة على نيÙ'تها بتوقيع اتفاقيات طاقة محتملة في المستقبل. وسوف يبقى أكبر اهتمامات الجزائر التهديد الأمني المحتمل الذي قد ينبع من ليبيا في حال فشلت عملية السلام، مع أنÙ'Ù‡ من غير المرجÙ'Ø­ أن يتخطÙ'Ù‰ تدخÙ'لها العسكري الحفاظ على أمن حدودهما المشتركة. وسوف يسعى المغرب إلى ترسيخ دوره كوسيط مع المحافظة على المؤسÙ'سات التي انبثقت عن اتفاقية الصخيرات. لتحقيق ذلك، سيقيم على الأرجح المزيد من اللقاءات على غرار تلك التي جرت في مدينة بوزنيقة بين الجهات الفاعلة المتنافسة. بيد أنÙ'Ù‡ من المستبعد جدÙ'اً أن تنشأ استجابة موÙ'حدة لمنطقة المغرب إزاء الأزمة الليبية طالما التوتÙ'رات والاختلافات الأيديولوجية ما زالت قائمة.

0 Response to " "

Post a Comment